الاثنين، 16 نوفمبر 2009

العلاقات الليبية القبرصية







بقلم / فرج ابراهيم عمرو




عندما تحط بك الطائرة في مطار لارنكا الدولي ، لاتشعر بإنك سافرت بعيداً عن الدفء والكرم الذي هو سمه من سمات شعوب حوض البحر الأبيض المتوسط . فالقبارصة يقابلونك بإبتسماتهم وطيبتهم وحبهم في مساعدة أي شخص يريد المساعدة ، كما أن هيئاتهم لا تختلف عن العرب كثيراً ، فكثيراً ما تعتقد أن الشخص الذي مقابلك هو من سوريا أو لبنان ، وأعتقد أن موقع قبرص الجغرافي وقربها هو السبب في هذا التشابه بين القبارصة و سكان هذه الدول ، حيث أنها " قبرص" لا تبعد سوى 150 كيلو متر عن سوريا ، ونصف ساعة جواً من لارنكا إلى بيروت . وبهذا الموقع الجغرافي المميز تحتل قبرص " التي تعتبر ثالث أكبر جزيرة في حوض البحر الأبيض المتوسط حيث تبلغ مساحتها9.251 كيلو متر مربع " أهمية تاريخية فنجد أن جميع الأمم التي أرادت أن تستقر حضارتها أو كيانها السياسي كانت دائماً تسعى إلى السيطرة على قبرص ، فقبرص دائماً شكلت حلقة وصل بين الغرب و الشرق . و تكتسب قبرص أهمية خاصة للعرب منذ زمن بسبب موقعها الجغرافي ، ولهذا نجد معاوية بن أبي سفيان عندما أراد تأمين حدود الدولة الإسلامية ، أستأذن عمر بن خطاب في عبور البحر إلى قبرص ، غير أن طلبه هذا لم يتحقق إلا في عهد عثمان بن عفان وتحديداً في سنة 648 م . وكذلك عندما أسس الشعب القبرصي حركته التحريرية " أيوكا " ضد الإستعمار الإنجليزي ، أول من مد له يد المساعدة العرب و تحديداً الزعيم الراحل جمال عبد الناصر الذي زودهم بالسلاح ، وكان عبد الناصر رحمه الله داعماً قوياً لقضية الشعب القبرصي ، وإستمرت هذه العلاقة القوية بين الشعبين حتى قضية "السباعي" في عهد السادات حيث شاب العلاقة نوعاً من الفتور والتوتر. إلى فترة من الوقت غير الطويل ، حيث أن العلاقات المصرية القبرصية دائماً كانت علاقات وطيده .

دور ليبيا في مساندة القضية القبرصية

بعد قيام الثورة في ليبيا في سبتمبر1969 بقيادة العقيد معمر القذافي ، بفترة وجيزة سافر الدكتور فاسوس ليساريديس مؤسس الحزب الإشتراكي القبرصي وأحد الأعضاء البارزين في حركة التحرر القبرصية إلى ليبيا للالتقاء بقيادة الثورة ، والتي أكدت منذ البداية دعمها للشعب القبرصي وحقوقه العادلة ، وتوجت هذه العلاقة بزيارة تاريخية قام بها الرئيس الراحل الأسقف مكاريوس إلى طرابلس في 13نوفمبر 1973 ، كانت لها أثر طيب في تطوير العلاقة بين البلدين فيما بعد ، حيث منح مكاريوس ليبيا خلال هذه الزيارة دور الإهتمام و العناية بالمساجد وشؤون المسلمين في الجزيرة ، ومازالت ليبيا منذ ذلك التاريخ تقوم بهذه المهمة ، حيث تقوم جمعية الدعوة الإسلامية بالإشراف على المساجد و توفير الأئمة و إلى غير ذلك من شؤون المسلمين في الجزيرة ، كما أن ليبيا قامت بدور كبير في مساندة حكومة مكاريوس و أعوانه عندما وقع ضدهم الإنقلاب في 15 شهر يوليو 1974 ، حيث قامت " السفارة الليبية في ذلك الوقت " المكتب الشعبي حالياً " بحماية الدكتور فاسوس ليساريديس الذي لجأ إلى السفارة الليبية ، كما وفرت السفارة الليبية الحماية إلى حاجي ديمتروا من الحزب الإشتراكي و مجموعة من أعضاء الحزب الإشتراكي ، وأيضاً قدمت السفارة الليبية الحماية إلى كل من وزير الدفاع القبرصي في ذلك الوقت " بن يامين " ورئيس المخابرات القبرصية السيد جورج تومبازوس ، كما قامت ليبيا بتغطية تكاليف رحلة مكاريوس في يوم 16يوليو 1974م ومرافقيه من بافوس إلى لندن ، ثم إلى الولايات المتحدة الأمريكية.
ونظراً لتعرض الإقتصاد القبرصي لبعض المشاكل بسبب إنقلاب 1974 و الإحتلال التركي ، قامت ليبيا في إطار دعم الشعب القبرصي الصديق بفتح السوق الليبي أمام كل المنتجات القبرصية دون قيود ، بل أنها أنشأت مجموعة من الشركات على الأراضي القبرصية ، والتي إستوعبت العديد من القبارصة الذين كانوا يعانون من آثار الإحتلال والحرب ، وقد وصل مستوى التبادل التجاري بين ليبيا وقبرص في تلك الفترة إلى أعلى مستوى ، حيث جاءت ليبيا في المرتبة الثانية بعد المملكة المتحدة في مستوى التبادل التجاري مع قبرص . كما ساهمت الشركات و الخبرات القبرصية في عملية البناء و التحول التي شهدتها ليبيا بعد الثورة فتم تدريب و تدريس العديد من الطلبة الليبين في المعاهد و الجامعات القبرصية والذين رجعوا إلى ليبيا من أجل المساهمة في عملية البناء والتقدم ، كما قامت مجموعة من الشركات القبرصية ببناء الكثير من الوحدات السكنية و الطرق التي تم تشييدها في ليبيا .
فالعلاقة بين قبرص و ليبيا هي علاقة متينة لها قواسم مشتركة وأرضية صلبة ، مبنية على أساس الإحترام المتبادل ، فالقبارصة ينظرون إلى ليبيا على أنها من بين الدول القلائل التي مدت لهم يد العون في زمن الحرب ، والليبيين ينظرون إلى قبرص على أنها الصديق القريب على القلب و البلاد الأكثر أماناً من أجل الإستثمار و السياحة .


ليست هناك تعليقات: