بقلم / فرج إبراهيم عمرو
ازدحام بشري..إختناقات مرورية..سلطة مركزية.. تكدس المؤسسات العامة..أمواج بشرية تزحف على رقعة جغرافية محدودة المساحة والإمكانيات . هذه العبارات يمكنها أن تكون أفضل وصف لما يحدث في مدينة أو شعبية طرابلس " أويا " والتي شهدت خلال العشرين سنه الماضية نزوح أعداد كبيرة من البشر إليها وهذا النزوح أثر سلبا عليها وأحدث بها تغيير جذري فشعبية طرابلس التي تبلغ مساحتها 400 كم يقطنها " 1.682.000" نسمة وهذا الرقم يعني أن أكثر من خمس سكان ليبيا البالغ عدهم "5.657.692 " نسمة حسب إحصائية2006 م . يعيشون في العاصمة هذا غير الناس الذين يترددون على طرابلس بشكل يومي من أجل قضاء بعض الأعمال أو الذين يسكنون في المدن القريبة ومقار عملهم بطرابلس .
ومن خلال الإطلاع على الإحصائيات المنشورة على شبكة المعلومات الدولية أتضح لنا جليا أنه هناك خلل في التوزيع الديمغرافي بين المدن الليبية ، فالأرقام تقول أن الكثافة السكانية في طرابلس عالية جداً فكل2207.32 مواطن لهم كيلو متر مربع داخل شعبية طرابلس، في حين نجد ثاني أكبر مدينة في ليبيا وهي بنغازي يتمتع فيها كل 33.8 مواطن بكيلو متر مربع ، وتنخفض هذه النسبة في عاصمة الجنوب سبها حيث تبلغ الكثافة السكانية بها 8.26 نسمة في كل كيلو متر مربع ، وتبلغ الكثافة السكانية بشعبية البطنان 1.72 نسمة في كم، والكثافة السكانية بشعبية سرت 2.01 نسمة كم، وفي شعبية الجفرة تصل إلى 0.38 نسمة كم، وفي حين نجد الكثافة السكانية بشعبية المرقب القريبة من طرابلس تبلغ 109.43 نسمة كم، وفي شعبية الكفرة الكثافة السكانية تكاد معدومة حيث لاتتجاوز 0.11 نسمة في كل كيلو متر مربع، و بالنقاط الخمس الكثافة بها 39.80 نسمة في كل كيلو متر مربع*.
هذا التفاوت الكبير في توزيع السكان بين مدن الجماهيرية له أثار سلبية اجتماعيا وتنمويا و أمنيا على المكان الجذاب و المكان الطارد . لكن السؤال الذي يمكن أن يسأله أي شخص لماذا يزحف الليبيين على طرابلس؟
الإجابة على هذا السؤال تحتاج منا الموضوعية والتمحيص الدقيق في الأسباب التي دفعت الكل يفضل العمل و الاستقرار في طرابلس.
يمكننا أن نرد نزوح الليبيين إلى طرابلس للأسباب التالية :
1- الخدمات : الإنسان بطبعه يبحث دائماً عن أسهل و أقصر الطرق من أجل الحصول على مصدر رزقه ولهذا نجد الناس يسافرون مئات آلاف من الأميال ويعبرون الصحاري و البحار من اجل الظفر بفرص العيش الأسهل والأفضل ، ولذلك تجد الليبيين يفضلون طرابلس لتوفر الخدمات بها بسبب تكدس جميع مؤسسات الدولة الليبية فيها ، هذا الأمر دفع الناس إلى حزم حقائبهم و السفر إلى طرابلس بشكل يكاد أن يكون يومي ، فترى الليبيين يتقاطرون على طرابلس من مختلف أنحاء ليبيا من جنوبها وشرقها وغربها ووسطها لقضاء أشغالهم ، ومن أجل البحث عن أرزاقهم ولهذا أصبح الجميع يفكرون في الاستقرار بطرابلس نظراً لظروف عملهم الجديد. ومن ملاحظ أن أغلب الشركات و التشاركيات المحلية التي تأسست في المدن الأخرى قامت بفتح مكاتب لها بطرابلس ومنها من قام بنقل نشاطه بالكامل إلى طرابلس وهذا يعود إلى مركزية الإجراءات الإدارية وتمركز مؤسسات الدولة في العاصمة . نعلم كما يعلم الجميع أن طرابلس هي العاصمة، و لكن من أجل أن يكون التوزيع الديمغرافي ، متوازن إلى حد ما ، لابد من توزيع الخدمات بين كل المدن ، حتى لايحدث نزوح من المدن الأخرى وتكدس الشعب في رقعة جغرافية ضيقة .
2- السياسة التنموية غير المتوازنة : هناك تركيز واضح على مدينة طرابلس وما حولها وخاصة في المشاريع الإستراتيجية وهذا لا يعني أن البناء في بقية المدن معدوم ولكنه بدرجة أقل ، هذا التركيز قاد وسوف يقود إلى المزيد من النزوح نحو طرابلس لأنها تشكل منطقة جذب أكثر من بقية المدن الأخرى.
أن هذه السياسة التنموية غير المتوازنة تركت جملة من الآثار السلبية على مدينة طرابلس أهمها مايلي :
1- الزحف على الحزام الأخضر: بسبب حاجة الوافدين الجدد للسكن تم خلال العشرين سنه الماضية الاعتداء على الحزام الأخضر الذي كان يلف طرابلس وتم تحويله بشكل عشوائي إلى مخططات سكنية، وهذا السلوك له أثر بيئي سّلبي على المدينة ، كما أن البناء العشوائي أيضاً له تأثيرات سلبية على البنية التحتية ومستوى الخدمات التي تقدمها المدينة أو الشعيبة للمواطنين**
2- التغير الديمغرافي : أن النزوح السكاني غير المدروس و المنظم في العادة ينتج سلوكيات وعادات تؤثر سلبا على قيم وعادات المجتمع.
3- تدمير البنية التحتية للمدينة : أدى الازدحام البشري إلى تدمير البنى التحتية للمدينة فالطرقات و المستشفيات و المدارس والحدائق أصبحت تستقبل أعداد أكبر من قددرتها الإستيعابية الأمر الذي أدى إلى أحداث أضرار كبيرة بها وأثر على مستوى الخدمات التي تقدمها للمواطنين . كما أنه هناك آثار سلبية على المدن الأخرى فالانتقال من هذه المدن والاستقرار بطرابلس ترك آثار سلبية على هذه المدن أيضا ، لأن أغلب الذين غادروا هذه المدن هم من أصحاب الحرف و المهن الخدمية التي يحتاج إليها المواطنين بهذه المدن مثل الأطباء والأساتذة و المهندسون
الحلول المقترحة لحل هذه المعظلة
1- إيقاف التوسع العمراني بطرابلس : لابد من إيقاف أي توسع عمراني جديد بطرابلس ، وبدلاً من التوسع في بناء المجمعات السكنية يجب إعادة الحزام الأخضر حول مدينة طرابلس من أجل حمايتها بيئياً و المحافظة على جمال المدينة
2- نقل بعض المرافق الخدمية إلى المدن الأخرى : من أجل تشجيع الناس للإستقرار بالمدن الأخرى لابد من نقل بعض المرافق الخدمية من طرابلس إلى المدن الأخرى على سبيل المثال الميناء وبعض الرحلات الجوية الدولية و مقار بعض الشركات و المؤسسات الكبرى مثل المؤسسة الوطنية للنفط والشركة العامة للكهرباء وغيرهما من المؤسسات ، هذه الخطوات سوف تعمل على تقليص سكان طرابلس ، فنقل عمليات التوريد البحري إلى مؤاني المدن الأخرى سوف يؤدي إلى انتقال بعض المقيمين بطرابلس إلى هذه المدن لمتابعة أعمالهم ، كما أن تحويل بعض الرحلات الجوية إلى مطارات الجماهيرية الأخرى يخفف من ازدحام الناس بطرابلس وهذا الأمر ممكن و خاصة أن أغلب مدن الجماهيرية بها مطارات ويمكن ربطها ببعضها البعض من خلال رحلات جوية داخلية يكون وقتها متزامن مع مواعيد الرحلات الدولية من أجل تسهيل عملية الانتقال المسافرين.
3- إقامة مشاريع تنموية وخدمية في الدواخل يمكننا من خلال خلق مشاريع تنموية خاصه بمدن الدواخل من إعادة توطين الناس بهذه المدن ، ومن أجل تشجيع الناس على الإستقرار بهذه المدن يجب بناء مؤسسات خدمية لكي تقدم الخدمات الضرورية التي يحتاجها المواطن بشكل يومي.
4-منح الحوافز تشجيعية لابد من إقرار حزمه من الحوافزالتشجيعية لكل من يقوم بالانتقال للاستقرار بالدواخل مثل منحه علاوة استقرار و سكن .. الخ.
5-بناء شبكة مواصلات عامة لابد من إنشاء شبكة مواصلات عامة تكون أسعارها مناسبة تربط جميع مناطق الجماهيرية ببعضها البعض، من أجل تسهيل عمليه التنقل بين الدواخل و المدن الرئيسية، لأن الكثير من الأشخاص تركوا الإقامة بالدواخل بسبب صعوبة الانتقال من مكان إقامتهم إلى مقار عملهم.
هذه الخطوات ضرورية ومُلحة من أجل حماية طرابلس من النمو السكاني غير الطبيعي، وكذلك من أجل حماية بقية مدن الجماهيرية من الفراغ السكاني، ومن أجل الحفاظ على توازن التوزيع السكاني للدولة حتى لاتحدث فراغات و إنتقالات تؤثر على إستقرار البلاد الإجتماعي و الأمني ومن اجل منع هيمنة أي مدينة أو شعبية على بقية المدن والشعبيات الأخرى.
وختاماً نقول كما قال الأمام الشافعي :
إن رأينا صواب يحتمل الخطاء ورأي غيرنا خطاء يحتمل الصواب ، ومن أتانا بأفضل من رأينا أخذنا به .
www.farajsalim.blogspot.com
ــــــــــــ
* هذه الأرقام منشورة على موقع ويكبيديا الإلكتروني ، ولمعرفة المزيد من المعلومات عن توزيع السكان في ليبيا تصفح الموقع المذكور ar. Wikipedia.com
** شعبية: هي تقسيم إداري يساوي أو يوازي التقسيم الإداري البلديات و المعمول به في العديد من الدول
------
http://www.alwatan-libya.com/more.asp?ThisID=11641&ThisCat=22&writerid={WriterID}
http://pulpit.alwatanvoice.com/articles/2010/08/26/207998.html
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق