الاثنين، 24 يناير 2011

الدرس المستفاد من انتفاضة تونس





بقلم : فرج ابراهيم


لم تشفع التقارير الدولية التي تقول بأن تونس تحظى بمرحلة متقدمة اقتصاديا وتنمويا مقارنة مع جغرافيتها العربية و الأفريقية ولم يحم الرصاص الحي زين العابدين من غضب الشعب التونسي الذي لم يعد يراه إلا شين يرتدي ثوب القهر والظلم و الاستبداد و المحسوبية العائلية ،ولم يسعف فهم زين العابدين المتأخر للشعب التونسي ومطالبة الاستمرار في قصر قرطاج، ولم يشفع مدح الولايات المتحدة الأمريكية له بأنه أفضل من يتعاون معها في مجال مكافحة ( الإرهاب )،كل هذه (المحاسن ) لم تقف ضد سقوطه من على سدة الحكم لان الشعب التونسي احرق سفنه مع نظام بن علي وقرر عدم الخلود إلى الراحة قبل زوال هذا النظام بكل سلبياته و إيجابياته ومن أجل تحقيق هدفه مستعد إلى تقديم كل التضحيات مهما كان حجمها، و رغم إن الكل لم يكن يتوقع سقوط نظام بن علي بهذه السرعة و لم يتوقع أحد أن تستمر الاحتجاجات أكثر من بضعة أيام تعقبها جمله من الحملات الأمنية،غير إن الشعب التونسي هذه المرة خالف كل التوقعات و أشعل ثورة شعبيه التي سوف تشكل سابقة في التاريخ السياسي العربي المعاصر،و أرسل رسالة قوية للنظم العربية و أعداء الأمة العربية مفادها أن الشعب العربي شعب حليم و لكنه ليس ميت أو عاجز عن الفعل و عندما يعلن الثورة فهي بركان لن يتوقف و يحرق كل الأشياء التي تتعرض طريقة سواء كانت جميلة أو قبيحة . لكن السؤال الذي يحتاج إلى أجابة هو لماذا سقط نظام بن علي؟ هناك جملة من العوامل التي قادت إلى انتفاضة الشعب التونسي على نظام بن علي وهي ما يلي :


1 -الفساد :- ونقصد هنا الفساد يجميع جوانبه السياسية ،و الاقتصادية ، والإدارية ،فزين العابدين وفقا للانتخابات الرئاسية الأخيرة فائز بأصوات الشعب التونسي بنسبة تجاوزت 90% ، غير إن الأيادي التي صوتت إلى بن علي هي ذاتها التي كتبت شعار "الخبز والماء وبن علي لا" و هذا يؤكد إن نسبة 90% هي نسبة غير حقيقية، ولو كانت غير ذلك لسمعنا من يدافع عن بن علي وعن صوته الانتخابي بين جموع الشعب التونسي، واقتصاديا يقول العالمين بشؤون تونس إن هناك (شلة) تقودها ليلى الطرابلسي تفرض هيمنتها على الأمور الاقتصادية مستغلة نفوذها السياسي، و هذا السلوك يكاد إن يكون عام في كل الدول العربية ، وعندما يقوم أهل السياسية أو ذوي العلاقة بهم باستغلال نفوذهم السياسي من أجل تحقيق مكاسب مادية نرى المحسوبية، و الرشوة ،والجشع ،وتعطيل القانون، وإرساء قواعد ظالمة في الأنشطة الاقتصادية، تقود إلى الظلم وينتج عنها الحقد والاحتقان والغبن . من هنا وجب على كل النظم السياسية أو من هم محسوبين عليها عدم ممارسة أي نشاط اقتصادي مستغلين نفوذهم أو علاقتهم بأهل الحكم . ومن عمل خلاف ذلك علية إن يضع بين عينيه مصير بن علي و نظامه.


2-البطانة :- من أهم أسباب نجاح إي نظام أو حكومة هي البطانة الصالحة، ومن أهم الأسباب سقوط إي نظام سياسي هي البطانة الفساد التي تدفع صاحب القرار إلى اتخاذ قرارات و مواقف خاطئة ، ونعتقد أن المحيطين بنظام بن علي لم ينقلوا ما يجري في الشارع التونسي بكل صدق فمارسوا التدليس والنفاق ، مما قاد بن علي الى فهم الشعب التونسي فهم خاطئ و لم يصوب هذا الفهم الخاطئ إلا في اليوم الأخير من حكمه الذي استمر ما يقارب من ربع قرن،وهذا الفهم المتأخر جاء بعد أن أعلن الشعب التونسي إشعال مشعل انتفاضته التي عقدت العزم على إسقاط بن علي مهما كانت التضحيات.

3- عدم احترام الشعب:- إن عدم اكتراث الحكومات العربية بالمواطن وهمومه سوف يؤدي في أخر المطاف إلى انتفاضة شعبية تحرق الجميع فلا يعقل إن تصبح حقوق الناس، وأعراضهم، وأرزاقهم، و أرواحهم شي ثانوي في اهتمامات المسؤول العربي ، فما نقلته لنا بعض وسائل الأعلام من عدم اكتراث الرئيس التونسي السابق عندما تم إبلاغه بوفاة الشاب محمد أبو عزيزي حيث قال : "خلة يموت مات.. مات " إن هذا الاستخفاف لا ينم عن مسؤولية و لا رشد في إدارة شؤون الناس ،فالحكومات في العالم الأخر تسعى لإرضاء شعوبها و خدمة مواطنيها ،و أتذكر عندما كنا ندرس بالخارج زارنا أحد الأصدقاء مع وفد طلابي في إطار الزيارات العلمية التي تجريها الجامعات فيما بينها ، ولقد تعرض الطالب الليبي إلى مشكلة فقام السفير البريطاني بالتدخل لدى السلطات العليا في تلك الدولة من أجل حل هذه المشكلة وقال : "بما انك جئت تحت راية جامعة بريطانية فأنا مسئول عن حمايتك" .فالحكومات والنظم تنشأ من اجل خدمة الشعب و ليس نهب الشعب.


4- المراهنة على الخارج :- لم يشفع إلى بن علي ونظامه تعاونه مع الخارج، و حساباته في البنوك الأجنبية و مكافحته "للإرهاب" فمنذ الوهلة الأولى تخلى الجميع عنه وكادت أن تسقطت به طائرته بسبب نفاذ الوقود و رفض أصدقائه استقباله و أياد أصدقائه سقوط نظامه، وسارعت الدول إلى تجميد أرصدته و أعلنوا صراحة على عدم رغبتهم في استضافته هو وعائلته ، ولزم أشقائه الحياد السلبي، وكان الاستثناء موقف ليبيا متمثل في خطاب القائد حول الأزمة التونسية، و الاستضافة السعودية ، إن الاستقوى بالخارج والعلاقات مع الدول الأجنبية و خصوصا الغربية لا يرسى أركان إي نظام ، فالدول الغربية التي تسعى جل النظم العربية إلى إرضائها وتخشى غضبها لا تعير اهتمام إلا لمصالحها ولا يهمها أي شخص أو نظام بقدر ما تهتم بمصالحها، فهم أصحاب مبدأ ليس هناك صداقة دائمة بل هناك مصالح دائمة، فأين ما تكون مصلحتهم تكون صداقتهم، وعليه لابد أن تراهن النظم العربية على شعبها لأنه هو الذي يمنح لها الشرعية الحقيقية، وأي علاقة خارجية يجب إن تكون من أجل تحقيق مصالحة بلدانهم ، ليس إلا


5- سوء المعالجة :- كثير من الأشياء تبدأ صغيرة ويمكن معالجتها لو تم اتخاذ خطوات صحيحة وسريعة فلو أن المسؤول الذي تقدم إليه محمد البوعزيزي بشكوى قام بنظر في هذه الشكوى بمسئولية ، لما وصلت الأمور إلى ما وصلت إليه ،لكن سوء المعالجة وعدم أهلية وقدرة أغلب المسؤولين تقود إلى تفاقم المشاكل التي قد تتحول إلى مظاهرات أو ثورات ، وتقتضي المصلحة الوطنية ضرورة محاسبة أي مسؤول أو جهة تضر بمصالح المواطنين أو تدفعهم إلى التظاهر أو تجمهر ، ولا يجب السكوت و التهاون على الممارسات الخاطئة التي تصدر عن المسؤولين قبل إن تفقد الشعوب صبرها وتصبح لغة المستخدمة هي التجمهر والحرق والتكسير.
والله من وراء القصد


وختاما نقول كما قال الأمام الشافعي : رأينا صواب يحتمل الخطأ... ورأي غير خطأ يحتمل الصواب ... من جاءنا برأي أفضل من رأينا أخذنا به.



ليست هناك تعليقات: