بقلم / فرج إبراهيم
منذ أكثر من ست سنوات وتحديداً بعد الاحتلال الغربي للعراق، لا تكاد تخلو نشرة أو جريدة من خبر عن برنامج إيران النووي، فالدول الكبرى وخصوصاً الولايات المتحدة تعمل جاهداً على حشد الرأي العام العالمي لأراده الدولية من أجل الوقوف في وجه طموحات إيران النووية، وكذلك من أجل كبح دورها المتنامي في المنطقة، وخاصة بعد الفراغ الذي حدث بسبب انهيار العراق وتراجع الدور المصري بشكل كبير، ورغم كل الجهود التي بذلت من جانب الولايات المتحدة وربيبتها ) إسرائيل ( خلال الست سنوات الماضية , إلا أنهما فشلا في خلق رأي عام دولي موحد ضد إيران داخل أروقة مجلس الأمن أو حتى بين نادي الكبار ، وهناك جملة من الأسباب التي قادت إلى هذا الموقف الدولي المتردد نحو الملف النووي الإيراني.
1- قوة إيران الردعية على أي هجوم عسكري :
رغم أن الكثير من معاهد الدراسات الإستراتيجية، وكذلك الخبراء في شؤون العسكرية وضعوا عدة سيناريوهات للضربة العسكرية التي قد تشنها أمريكا أو إسرائيل على المنشآت النووية الإسرائيلية وأصدر معهد (csis) للدراسات الإستراتيجية بواشطن دراسة كاملة تجاوزت لـ 100 صفحة مدعومة بالصور للأحتمالات التي يمكن إن يأخذها شكل الهجوم إسرائيلي على المنشآت النووية الإيرانية، كما إن الساسة الأمريكان دائماً ما يقولون في تصريحاتهم أن الخيار العسكري لم يسقط من حساباتهم . غير إن حقيقة الأمر هي أن الخيار العسكري منذ اليوم الأول للأزمة كان بعيد الأحتمال لعدة معطيات وهي:
أ- الوضع العسكري لأمريكا: أن الولايات المتحدة التي تعاني في العراق وأفغانستان لا يمكنها أن تقدم على أي مغامرة عسكرية جديدة وهي تعلم يقينا إن قواتها في دول الخليج والعراق سوف تكون أهداف سهلة للقوة الصاروخية الإيرانية،كما تعرف إن إيران تستطيع إن تزيد من معاناة قواتها في أفغانستان من خلال دعم المقاومة الأفغانية .
ب- العامل الأخر يتعلق بأثر الحرب على الاقتصاد العالمي إن عصب الاقتصاد العالمي " النفط " يتركز في هذه المنطقة، وأي انقطاع قد يحدث في هذا الجانب بسبب العملية العسكرية ضد إيران، سوف يؤدي إلى دخول اقتصاديات دول عديدة في العالم في أزمات حقيقة قد تصل إلى درجة الأنهيار التام لدى أغلبها.
2- أسلوب إيران في تعامل مع الأزمة : منذ البداية تعاملت إيران مع هذه الأزمة بهدوء ورصانة يحتذى بهما ،وقامت بتوزيع الأدوار، وحافظت على بقاء جميع القنوات الدبلوماسية مفتوحة مع توظيف جيد للظروف الدولية، وخاصة الوضع الذي تمر به الولايات المتحدة على حدودها في العراق وأفغانستان وكذلك بينت للعالم بأنها لاعب رئيسي في المنطقة من خلال علاقتها الجيدة مع حماس وحزب الله، وعملت على تعزيز قدرة حلفائها في المنطقة وأتضح ذلك جليا في حرب 2006 على لبنان، وحرب إسرائيل نهاية 2008 على غزة، وكأنها أرادت أن تقول لإسرائيل إن من ندعمهم يملكون هذه القوة التدميرية والقتالية العالية، وهذا فقط مؤشر على قدرتنا العسكرية العالية التي تتجاوز بكثير ما يملك حزب الله أو حماس .
كما قامت أيضاً باستعراض قوتها العسكرية من خلال إعلانها بين الفينة والأخرى عن انجازاتها الذاتية في هذا المجال.
3- الإنفتاح على الجوار: منذ البداية سعت بعض الأطراف الدولية إلى تسويق فكرة إن طموحات إيران النووية في الاساس موجهة ضد جيرانها العرب، وحشدت جميع قنواتها الدبلوماسية والإعلامية من أجل هذا الطرح، وأدركت القيادة الإيرانية ذلك منذ البداية، كما أن القيادة في الإيران تعلم تماماً إنه بدون مساعدة دول الجوار لا يمكن لأي قوة مهاجمتها، ولهذا منذ إعلانها عن نجاحها في تخصيب اليورانيوم عرضت على دول الخليج العربي خصوصا ودول الجوار عموماً اتفاقية سلام وعدم اعتداء وحضر الرئيس الإيراني أغلب القمم واللقاءات التي عقدت في المنطقة من أجل طمأنة جيرانه العرب وإظهار حسن النية، كما عمل على بناء علاقات جيدة مع تركيا وأفغانستان، وبذلك استطاعت إيران وبشكل كبير تفويت خلق مناخ معادي بشكل صريح في الجوار.رغم أن مناخ الثقة لم يترسخ بشكل قطعي.
4- تقطيع الوقت : منذ البداية أتضح أن إيران تريد كسب الوقت وانتهجت سياسية محكمه فأستغلت جميع المناسبات من أجل كسب زمن، واستطاعت بهذا النهج أن تقطع خطوات كبيرة في برنامجها النووي وخاصة في مجال التخصيب ،وكذلك زيادة عدد المنشآت النووية و أجهزة الطرد المركزي .
وعندما شعرت إيران إن الإرادة الدولية تكاد تكون منعقدة بخصوص إتخاذ قرارات صارمة ضدها، وإن الولايات المتحدة وإسرائيل قد ينجحا هذه المرة من خلال استغلال المناخ التوافقي من أجل فرض عقوبات دولية، فاجأت إيران الدول الكبرى بقنبلة جديدة بتوقيعها على اتفاق تبادل الوقود النووي مع تركيا والبرازيل، وهي بذلك أربكت جهود القوى الساعية إلى حشد إجماع دولي ضدها، إن صناع القرار السياسي الإيراني أتخذ دائماً خطوات أتصفت بالحكمة والدهاء السياسي مكنته من تجاوز أغلب العراقيل التي وضعت في طريق برنامجه النووي الذي يتجه قطاره مسرعا نحو النهاية المرسومة له .هذا الاسلوب التفاوضي يبقى مثال لابد إن يدرس في أكاديميات العلاقات الدولية وكليات العلوم السياسية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق