بقلم / فرج إبراهيــم عمرو
ينشغل العالم بأسره بأحداث كأس العالم لكرة القدم التي إنطلقت بجنوب أفريقيا مطلع الشهر الماضي، فالكل في الشوارع و المقاهي لا حديث لهم إلا عن الفرق المشاركة ومن فاز أمس ومن سيفوز اليوم أو غداً ، وأعلام الدول المشاركة ترفرف في كل الأماكن حتى على الوجوه ، ووسائل الإعلام العالمية على مختلف أنواعها المرئية و المكتوبة و المسموعة خصصت مساحات واسعة لهذا الحدث العالمي الذي يأتي كل أربع سنوات، ونشرت مراسليها في مدن جنوب أفريقيا وفي شوارع مدن العالم الأخري من أجل نقل الأفعال وردودها ، و الشركات الكبري جلست بين الجمهور واللاعبين تعلن عن ذاتها ومنتجاتها ، والكل جهز نفسه ، لمتابعة لهذا الحدث الرياضي ، حتى أنه قبيل إنطلاق صافرة البداية تبادل أغلب مستخدمي البريد الأكتروني " الإيميل " رسالة تحذر الزوجات من الإقتراب من شاشة " التلفزيون " أو إزعاج الأزواج على إمتداد شهر كامل، وحذرهن من الإقتراب من جهاز التحكم (الريموت كنترول) خلال البطولة من أجل أن الإستمتاع بمشاهدة المباريات و نجوم كرة القدم و إبداعاتهم الكروية ، فالعالم هذه الأيام يعيش أجواء إستثنائية على جميع المستويات ، حتى على مستوى السياسين الذين تركوا أعمالهم وإلالتزامتهم السياسية من أجل الإستمتاع بمباريات كرة القدم .
غير أنه ليس الكل مستمتع بهذه البطولة فالفرحة التي يعيشها البعض جاءت على حساب سعادة جزء كبير من سكان جنوب أفريقيا الذين بدأت معاناتهم منذ الإعلان عن إقامة بطولة العالم الكرة القدم لسنة 2010 م . في جنوب القارة الأفريقية، فهذا البلد الأفريقي الذي لم يتخلص بعد من أثار نظام الفصل العنصري " ابارتايد Apartheid " ابتلي أهله بتنظيم بطولة الشركات الإحتكارية لكرة القدم التي لا يهمها سوى الربح و الربح المضاعف ، فسكان جنوب أفريقيا البالغ عددهم حوالي 47 مليون نسمة والذين يعيش ربعهم أي أكثر من 10 ملايين نسمة على أقل من 1.25 دولار في الشهر و 15 مليون منهم لا يحصلون على خدمات الكهرباء هولاء كلفهم المونديال أكثر من 4.1 مليار دولار من أجل بناء الملاعب و الفنادق و الطرق و المطارات ، بل إنه حسب بعض التقارير فإن أكثر من 20.000 شخص من سكان جنوب أفريقيا خسروا منازلهم من أجل إزالتها وتشييد بدلا منها المركبات الرياضية التي كلفت الملايين ، والتي سوف تكون خاوية بعد الأحد القادم موعد المباراة النهائية التي تجمع أسبانيا مع هولندا .
كما أن الأرقام تشير إلى أنه منذ مطلع العام 2008 م. خسر ما يقارب مليون موظف في جنوب إفريقيا وظائفهم. وإذا قال البعض أن جنوب إفريقيا سوف تجني أرباح التنظيم وسوف تسترجع الأموال التي دفعتها فإن سوابق تنظيم البطولات الدولية تفند هذا القول لأن كل التقارير تؤكد أن جميع التظاهرات الرياضية الكبرى كلفت أعباء مالية للمدن أو الدول التي نظمتها والإستثناء الوحيد كانت الألعاب الأولمبية التي أقيمت في بكين عام 2008 م . وسبب عدم إعلان المشاكل الإقتصادية ناجمة عن هذه البطولات هو أنها أقيمت في دول لديها إقتصاديات قوية إستطاعت تجاوز هذه المشاكل المالية . هذا الاستغلال والظلم يمارس برعاية الأتحاد الدولي لكرة القدم الذي يرفع شعار أنه "مؤسسة غير ربحية " لكن هذا الشعار لا يتماشى مع واقع الحال الذي يؤكد خلاف ذلك، فمن خلال الأرقام المنشورة الإتحاد الدولي لكرة القدم بالإتفاق مع الشركات الإحتكارية مثل الكوكا كولا ، سونى ، أديداس، وغيرها من الشركات تحصل على125 مليون دولار من كل شركة مقابل الإعلانات التي تبث خلال البطولة ، ومن المتوقع أيضاً أن تصل أرباح الفيفا من هذه البطولة إلى 3.1 مليار دولار ، ولقد فرض الفيفا الذي تحول من مؤسسة تعمل على ترسيخ مبادئ الروح الرياضية بين الشعوب إلى مؤسسة إقتصادية وأمنية تفرض شروطها على الدول ، حيث يفرض الإتحاد الدولي لكرة القدم قيوداً على الصحافيين الذين يقومون بتغطية أحداث كأس العالم من خلال منعهم من نشر الوقائع بحجة تخريب سمعة كأس العالم ، كما منع عرض فيلم وثائقي " فهرنهايت 2010" الذي يتناول جرائم الفيفا الإقتصادية في المونديال ، وقام أيضاً بصرف الملايين على الأجهزة الأمنية لكي تنفذ سياسته و شروطه .
وختاما سوف ينتهي كأس العالم يوم الأحد القادم مع صافرة النهاية لحكم المباراة الانكليزي هاوارد ويب ويتوج احد الفريقين باللقب، ويكون الفريق الخاسر سعيدا بما وصل إليه في هذا البطولة .
لكن معاناة أهل جنوب أفريقيا وخاصة الفقراء منهم مستمرة ، بل سوف تزداد، فمن المتوقع وحسب تقديرات الخبراء أن يصل العجز في ميزانية جنوب أفريقيا إلى 80 مليار دولار، هذا غير الأموال المعفى من الضرائب والتي ستخرج من البلد لحساب الشركات الإحتكارية و الفيفا . ويتوقع أهل الإقتصاد أن تنظيم كأس العالم سوف يجر البلاد إلى مشاكل إقتصادية كبيرة قد تصل به إلى حد الإنهيار .
فسعادة شعوب العالم دائماً تأتي على حساب المواطن الإفريقي الذي هو على الدوام من يدفع ثمن سياسات الاحتكار و العبودية والتفرقة و الأستعمار.
من هنا ندعو إلى تشكيل جمعية دولية من أجل رفع المعاناة عن أهل أفريقيا و تعويضهم عن الظلم الذي عانوا منه عبر التاريخ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق