الأحد، 25 يناير 2009

قراءة استشرافية لمؤتمر أنابوليس



ينعقد خلال الايام القريبة القادمة مؤتمر (( للسلام )) بين الفلسطنيين والاسرائليين بناء على دعوة امريكية وبرعاية امريكية و في مدينة امريكية ايضا وتحشد الادارة الامريكية كل قواها من اجل الحصول على دعم المجتمع الدولي لهذا المؤتمر، ويأتي هذا المؤتمر ضمن سلسلة مبادرات دأبت الادارات الامريكية المتعاقبة خلال سبعة عشرةعاما الماضية على الترويج لها بين الحين والاخر والتي غالبا ما كان مصيرها الفشل .
فالماذا دعت الولايات المتحدة لهذا المؤتمر ؟ وفي هذا الوقت بذات ؟ وما هي نتائج المرجؤه من هذا المؤتمر ؟

في اعتقادنا انه هناك جملة من الاسباب الداخلية والخارجية التي دعت الولايات المتحدة للدعوة لهذا المؤتمر .

فعلى الصعيد الداخلي تعاني الادارة الامريكية من تدني واضح في شعبيتها وذلك بسبب سياستها الخارجية المتخبطة وخاصة في العراق وافغانستان ، فالفشل الواضح في العراق وتصاعد عمليات المقاومة العراقية وارتفاع تكاليف الحرب بشريا وماديا ادى الي ارتفاع الاصوات المعارضة التي رأت ان هذه الادارة اضرت بدور الولايات عالميا وتجلى الرفض الشعبي للسياسة الامريكية الخارجية في الانتخابات الاخيرة لمجلسي النواب والشيوخ حيث سيطر عليهما الحزب الديمقراطي، وهذا اعطى مؤشرآ على ان اتجاهات الناخب الامريكي قد لا تصب في مصلحة الحزب الجمهوري في الانتخابات الرئاسية القادمة ، ولذا فكان لابد على الادارة الجمهورية من اتخاذ خطوة تقول من خلالها للراي العام المحلي انها مازالت تمتلك مفاتيح اكثر القضايا الدولية أهمية و تعقيدا وانها سوف تعمل على حل اي اشكاليات قد تظهر خلال المؤتمر لومنحت فرصة اخرى من خلال انتخاب المرشح الجمهوري في الانتخابات الرئاسية القادمة . واعتقدنا هذا مرده الي التوقيت الذي اعلن فيه عن المؤتمر اي قبل بضعة اشهر على الانتخابات الرئاسية الامريكية والتي سوف تجري في نهاية العام القادم .وهو نفس السلوك الذي قامت به ادارة بل كلنتون السابقة . فاذا كانت الادارة الامريكية الحالية صادقة في نواياها اتجاه السلام في المنطقة لكانت وضعت خطة متكاملة منذ الفترة الرئاسية الثانية على اقل تقدير. ولكن سلوك الادارات الامريكية هو ادارة الازمة وليس العمل من اجل حل الازمة . كما أن الادارة الامريكية من خلال هذه الدعوة تريد صرف اهتمام الراي العام المحلي ووسائل الاعلام الامريكية والتي لها تأثير كبير على تكوين الرأي العام الامريكي عن ما يجري في العراق وافغانستان
لان كل مايطرح في هذا الوقت والايام القادمة سوف يؤثر بشكل مباشر على اتجاهات الناخب الامريكي .

اما الاسباب الخارجية فيمكن حصرها فيما يلي هناك مجموعة من الملفات التى تحتاج الولايات الى المساومة عليها، ومن هذه الملفات الملف النووي الايراني ، حيث تريد الولايات المتحدة دعم الدول العربية في أي خطوة اتجاه ايران وايضا هناك توجه داخل الادارة الامريكية لدعم من تسميهم( المعتدلين) في المنطقة .. كما تعمل الولايات المتحدة على تضيق الخناق على الدول والحركات التي تتخذ موقف معادي من السياسات الامريكية في المنطقة وتأتي في مقدمة هذه الدول سوريا وذلك بسبب موقفها من الاحتلال الامريكي للعراق حيث تتهم امريكا سوريا بدعم المقاومة العراقية ويتضح ذلك جليا من خلال التجاهل الامريكي لسوريا عند الاعلان عن هذا المؤتمر ، رغم معرفة صانع القرار الامريكي بأهمية الدور السوري في المنطقة . وتريد الولايات المتحدة ايضا من خلال هذا المؤتمر دعم موقف محمود عباس في وجهه حماس والقوى الفلسطينية الاخرى التى لاتسير في الفلك الامريكي وخاصة بعد احداث غزة التى هزت كثيرا التيار الذي يقوده عباس . كما تحاول الولايات المتحدة ترميم صورة رئيس الوزراء الاسرائيلي اولمرت بعد حرب لبنان في تموز 2006 وتقديمه على اساس انه الرجل القادر على صنع السلام المفقود والمنشود.




اما النتائج المتوقع صدورها عن هذا المؤتمر

قبل الخوض في النتائج المتوقعه عن هذا المؤتمر لابد من التوقف عند الوضع الداخلي لاطراف المؤتمر والراعي الرسمي لهذا المؤتمر وسوف نبداء بالجانب الفلسطيني
فبعد مرورمايقارب سبعة عشرة عاما على مؤتمر مدريد الذي اسس لعملية (( السلام )) الفلسطينية – الاسرائيلية اختلفت الكثير من الامور على المشهد الفلسطيني والتي سوف تلقي بضلالها على مؤتمرانابوليس القادم . ففي حين كان هناك شبة التفاف شعبي فلسطيني كامل خلف قيادته التي قادة مفاوضات السلام السابقه، نجد ان الفلسطنيين اليوم وبعد تجربة مليئة بالمفاوضات ومؤتمرات السلام تولد لديهم شعوربعدم الثقة فيما يمكن ان يجنى من مؤتمرات السلام مع اسرائيل ، فاسرائيل لم تلتزم بالتعهدات التي تعهدت بها في المؤتمرات السابقة كما يوجد شعور عام بين الفلسطينين بعدم جدية المجتمع الدولي في اجبار اسرائيل على الايفاء بالتزاماتها ، بل ان الامر يتجاوز ذلك في بعض الاحيان حيث يشعر اغلب الفلسطينين بأنحياز القوى الرئيسية في العالم مع اسرائيل . هذا الشعور الشعبي يضعف من الجناح الفلسطيني الذي يتبنى نهج التفاوض في الصراع مع اسرائيل لانه يفقده القاعدة الشعبية المطلوبة والمهمة في مثل هذه المؤتمرات . فالقيادة الفلسطينية تحزم حقائبها الي أنابوليس وتركها خلفها انقسامات عميقة ،فالكثير من القيادات التاريخية والرئيسية على خلاف تام مع القيادة الحالية ،و من الاشياء التي يفتقدها الفريق أو الجناح المفاوض هي غياب الشخصية الكارزمية فبعد رحيل ياسر عرفات عن المسرح السياسي تعاني القيادة السياسية الفلسطينية من حالة فراغ كبيرة ، فعرفات كان محل احترام من قبل الجميع حتى وان كان البعض يختلف معه في معالجته للقضية الفلسطينية .وأكبر دليل على أثر هذا الغياب ما شهدته الساحة الفلسطينية من الاحداث بعد رحيله ،حيث شهدت حركة فتح انقسامات واختلافات ما كنا نراها ايام عرفات . ومن الاشياء التى لابد من التوقف عندها هوالتبدل في مراكز القوة الذي شهده المسرح السياسي الفلسطيني ، ففي السابق كانت حركة فتح هي التي تتصدر مسرح الاحداث غير ان الامر تبدل مع بروز بعض الحركات الاسلامية وخاصة حماس التي اصبحت قوة كبيرة داخل مكونات الشعب الفلسطيني في الداخل والخارج وبرزت حقيقة قوة حماس في الانتخابات البلدية والنيابة الاخيرة وتأكدت في احداث غزة في الصيف الماضي حيث استطاعت طرد جميع قيادة فتح من القطاع والذي أصبح يخضع الى سيطرة حماس بشكل كامل . وبكل تأكيد هذا الوضع يضعف القيادة الفلسطينية في أنابوليس. فقيادة أو سلطة لم تستطيع انهاء المشاكل في قطاع غزة هل تستطيع انهاء أو حل قضية بحجم القضية الفلسطينية بكل ابعادها الدولية والتاريخية؟ . وأيضآ من الاشياء التي تؤثر على الموقف التفاوضي الفلسطيني هو الموقف العربي الحالي مقارنة مع موقف العربي في مؤتمر مدريد حيث كان العرب خلال مؤتمر مدريد اكثر تنسيقا والعلاقات العربية وخاصة بين الدول المحورية اكثر انسجاما من الآن ،حيث يلاحظ المتابع ان العلاقات العربية العربية في اسواء مرحلة لها بعد فترة الحرب العالمية الثانية فبعد ان ساهمت بعض الدول العربية في تدمير العراق من خلال تقديم الدعم اللوجستي للقوات الغازية اصبحت تتخاصم على بعض الامور الثانوية وتركت الشعب الفلسطيني للاسرائيل تعمل به ما تريد . هذه الصورة على الجانب الفلسطيني .

اما الصورة على الجانب الاخر ليست على مايرام أيضآ فعانت الحكومات اسرائيلية المتعاقبة من ضربات المقاومة الفلسطينية رغم كل البطش والدموية الاسرائيلية إلا انها لم تستطيع وقف عمليات المقاومة الفلسطينية وكذلك عمليات حزب الله من جنوب لبنان والذي احرج الحكومة الاسرائيلية الحالية خلال حرب تموز من العام الماضي حيث وصلت صواريخ حزب الله للعمق الاسرائيلي واستطاع من خلال هذه الضربات من أن يشل الحياة في شمال فلسطين المحتلة ، في الوقت الذي فشلت فيه قوات جيش الدفاع الاسرائيلي بتوغل في عمق الجنوب اللبناني على مدى 33 يوما رغم الدعم الدولي الصريح والصمت العربي المعيب ،ورغم كثافة النيران التي استخدمت من قبل اسرائيل ونوعية الاسلحة التي زودت بها خلال الحرب . هذه الهزيمة هزت الكيان الصهيوني واضعفت حكومته داخليآ وخارجيآ . كما ان قضايا الفساد تلقي بضلالها على حكومة اولمرت ،وتشهد الساحة السياسية داخل اسرائيل انقساما بين الاحزاب السياسية بسبب الطريقة التي تعامل بها اولمرت وحكومتة مع قضية اسر الجنديين من قبل حزب الله وايضا قضية شاليط الامر الذي يمكن ان يؤدي الى انهيارالتلأف القائم بين كاديما والعمل مما سوف يقود الي انهيار حكومة اولمرت .

اما الدولة الراعية وكما سلفا في البداية فهي في وضع لا تحسد علية فتكلفة الحرب على العراق وافغانستان تجاوزت 1,5تريليون دولار وفق اخر الاحصائيات ولا يلوح في الافق القريب اي بارقة امل في الانتصار . بل صدى ضربات المقاومة العراقية صدعت البيت الابيض وادارة المحافظين الجدد التى سقط الكثير من نسورها وحمائمها بسبب الضربات الموجعة التى ترسلها المقاومة العراقية الى الادارة الامريكية وحلفائها في العراق . مما تقدم يتضح انه هناك قاسم مشترك بين الاطراف الثلاثة وهو خسارتها لمعاركها الرئيسية التي خاضتها مؤخرآ والاطراف الثلاثة تعاني من الاثار السلبية لهذه الخسارة على الصعيدين الداخلي والدولي. وعلى ضوء هذا العرض للوضع الدول الثلاثة يمكننا ان نتوقع ماذا سوف ينتج عن هذا المؤتمر نستطيع القول ان المؤتمر سوف لن يأخذ الحقوق والمطالب الفلسطينية وكذلك المبادرة العربية بعين الاعتبار . وسوف تعتبر ازالة المستوطنات المخالفة وكذلك منع اي استيطان جديد في الضفة ومضاف اليهما الافراج عن بعض الاسرى في السجون الاسرائيلية رغبة اسرائيلية صادقة في السلام ، ولابد ان تقابل السلطة الفلسطينية هذه الخطوات بخطوات مماثلة مثل ضرب اجنحة المقاومة وخصوصا حماس وسوف تسعى اسرائيل الى تحقيق بعض المكاسب فيما يتعلق بحق العودة . غير اننا نعتقد انه لا احد يملك الجرأه والقدرة على المستوى المنطقة كلها وليس فقط فلسطينيا ان يقدم تنازلات في حق العودة ، ان اي طرف فلسطيني يخوض في هذا الامر بشكل سلبي يعتبر انتحار سياسيا .كما انه سوف تحاول اسرائيل ايضآ من خلال هذا المؤتمر الحصول على قدر من التطبيع مع بعض الدول العربية وخاصة في محور( المعتدلين ) . واجمالا نستطيع القول ان المؤتمر لن يحقق السلام المنشود ولن يسترجع الحقوق المغتصبه وما ان ينفض المؤتمر حتى يذهب كلا الى حال سبيله فسوف تنشغل الادارة الامريكية بالاعداد للانتخابات القادمة وحكومة اولمرت بفضائح الفساد وتداعيات الحرب الاخيرة مع حزب الله . اما محمود عباس فهو الخاسر الاكبر فإذا كانت خسارته الاولى في اجتماع العقبة كلفته ازاحته من رئاسة الوزراء فإن اي فشل في هذا المؤتمر سوف يمتد الى كل حركة فتح وخصوصا التيار الذي يقوده عباس فنهاك من ينتظر سقوط عباس الذي يترنح اصلا




فرج ابراهيم عمرو
20 – 11 - 2007م

ليست هناك تعليقات: