تمر علينا هذه الأيام الذكرى الأولي للاحتلال بغداد، هذا الحدث الذي نال استغراب جميع الأطراف فسقوط بغداد بهذا الشكل الدراماتيكي شكل صدمة للذين علقوا الآمال على تصدي بغداد للقوة الغازية و اردو إن تتحول بغداد إلي قاعدة لاسترداد الكرامة العربية، وأيضا كان دخول بغداد مفاجئ للمحللين والمراقبين فلم يتصور احد إن تدخل القوات الأمريكية بهذا الشكل الذي شكل مظهر من مظاهر الاستعراض عسكري Parade، رغم إجماعهم على إن النصر سوف يكون بجانب القوات الغازية في أخر المطاف لآن الفرق في ميزان القوة كان يصب في مصلحتها. و لكن.. بعد عام على الاحتلال هناك جملة من التساؤلات تدور في أذهان الكثيرين منها لماذا سقطت بغداد بهذا الشكل أين هي الجيوش العراقية (جيش القدس، فدائي صدام، الحرس الجمهوري ) ؟ وأين صار العراق والعرب بعد عام على الاحتلال ؟ سأتناول الموضوع من زاوية مختلفة عن ما جرت عليه العادة عند تحليل هذه الأمور بمعنى لن أقوم بتحليل الجوانب العسكرية. وذلك لأنني لست ضليعا في هذا الجانب وأيضا لاعتقادي إن سبب خسارة المعركة لا يرجع إلى الأسابيع الثلاث التي دارت فيها العمليات العسكرية بل يمتد إلي فترة أطول وأسباب تتجاوز الأمور العسكرية. وسوف أركز على اثر غياب الديمقراطية في ما جرى في العراق. واتخذ من ما قاله احد قادة الحرس الجمهوري على قناة الجزيرة مدخلا لهذا الموضوع حيث قال وفي سياق شرحه للاستعدادات العراقية التي سبقت بدء الحرب انه خلال احد الاجتماعات التي عقدتها القيادة العسكرية العراقية تحت رئاسة صدام حسين، طرح صدام السؤال التالي: على الحاضرين ماذا تقرؤون في عيون الجنود ؟ وهنا رد هذا القائد على القائد الأعلى نقرا في عيونهم السؤال التالي: هل سيكون النصر في جانبنا في هذه المعركة ؟ هذا السؤال ال استفساري قوبل بالامتعاض والتجاهل من قبل القائد الأعلى مما شكل حالة قلق وخوف لدى المتحدث من ما قد يؤول إليه مصيره كما يمكن إن نستشف حالة الخوف لدى الحاضرين الذين القوا باللوم عليه بعد إن فض الاجتماع. توضح لنا هذه الحادثة حالة الخوف التي يعيشها المواطن العراقي ويمكننا تعميم هذا الوضع على الوطن العربي ككل. فإذا كان الوزراء والمساعدين وأركان القيادات العسكرية لا يجرؤون على قول الحقيقة ولا يستطيعون نقد الحكومة أي كان شكل هذه الحكومة فكيف يمكن لنا إن نتعرف على أخطائنا وتقويمها. وهذه الحالة توضح لنا إن العقلية العربية الحاكمة بدون استثناء ترفض حتى للاستماع إلى الرأي الأخر أو المناقض لرائهم بل تمارس ضدك كل إشكال القمع من النعت بالخيانة إلى السجن وصولا إلى انتزاع الروح. هذه العقلية والتصرفات هي التي أوصلتنا إلي حالنا اليوم فلا يمكن إن نتوقع من شخص مقموع ومسلوب الإرادة ان يقاوم، ولا يمكن اعتبار أي شخص يمارس القمع بهذا الشكل هو الشخص المناسب لتولي قيادة الأمة في السلم والحرب. في ذات الوقت كانت وسائل الأعلام تنقل لنا مسألة مستشارة الأمن القومي في الإدارة الأمريكية إمام لجنة تقصي أسباب 11 سبتمبر، حيث شاهد العالم كيف قام أعضاء اللجنة بتوجيه الأسئلة إلي مستشارة الأمن القومي في كل الجوانب دون خوف أو تردد بل شاهدنا اللهجة القاسية التي استخدمها بعض السائلين وخاصة من الديمقراطيين. هاتين الصورتين المتناقضتين توضح لنا الفارق بين العقلية العربية الحاكمة والعقلية الغربية، في حين الأولى ترفض حتى مجرد الاستماع للرأي الأخر نجد العقلية الغربية تعقد الندوات وتشكل اللجان لمعرفة جوانب القصور وهذا في اعتقادي احد الأسباب الرئيسية في تفوق الآخرين علينا. إما فيما يخص السؤال الثاني وتحديدا في الشق الأول المتعلق بالأوضاع في العراق فالأخبار والتقارير الواردة من هناك تؤكد لنا إن عراق اليوم أسوا من عراق الأمس فمعدل الجريمة في ارتفاع مستمر ومعدل البطالة بلغ 80% أي حوالي 12 مليون عراقي بدون عمل كذلك تعالت نبرة الطائفية فالقانون المؤقت احتوى على مواد تحمل في طياتها تكريس للطائفية، كما إن المقاومة العراقية الباسلة سيكون لها دور مهم في رسم الخارطة السياسة للمنطقة ككل وأيضا إن الديمقراطية التي يتحدث عنها بوش يفندها عدد المعتقلين والذي يتجاوز 100 ألف شخص وبكل تأكيد سوف يتعاظم بعد الإحداث الأخيرة و الشي الذي نستقرئه ايضا هو إن القيادات العراقية الاجتماعية والدينية استطاعت حتى الآن تفويت الفرصة على المراهنيين علي الحرب الطائفية كما إن الأوضاع على الأرض اخطر بكثير من ما تنقله وسائل الأعلام فقوات الاحتلال لا تسيطر على الأوضاع وأيضا القراءة الأمريكية للعراق غير دقيقة في كثير من جزئياتها، الأمر الذي قد يؤدي إلي إزاحة الإدارة الامريكية من خلف عجلة القيادة السياسية في الولايات المتحدة. إما المشهد على الساحة العربية بعد العام الأول على احتلال العراق فعلى المستوى الرسمي أدى الاحتلال إلي إحراج كثير من الزعامات العربية الأمر الذي أدى إلى انخفاض في شعبيتها المنخفضة أصلا، كما نستنج من السياسات التي اتبعتها هذه الحكومات عند تعاطيها مع الأزمة العراقية غياب رؤية الاستراتيجية الموحدة وبروز السياسات القطرية فمعظم الدول العربية تعاملت مع الأوضاع في العراق وفقا لمصالحها الخاصة كما إن المستقبل السياسي لأغلب الزعماء العرب ليس في أحسن حالاته أي بمعنى أخر سوف يشهد الوطن العربي تغييرا في قادته خلال السنوات القريبة القادمة. وعلى صعيد الرأي العام العربي فان احتلال العراق وسع الهوة بين المواطن العربي والحكومات العربية وزاد من حالة الاحتقان الداخلي وكذلك الشعور المعادي للولايات. ختاما يمكننا القول إن الفترة القادمة سوف تشهد تغييرات كبيرة على جميع الأصعدة.
فرج إبراهيم عمر
فرج إبراهيم عمر
9th - April - 2004
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق