الدول الأبوية (العربية )... والأزمة الاقتصادية الدولية .. بقلم/ فرج إبراهيم
مر الاقتصاد العالمي عام 1929 م بأزمة اقتصادية خطيرة عرفت بالكساد الكبير ( The Great Depression ). حيث توقفت في ذلك العام المعامل عن الإنتاج, وأمست عائلات بأكملها تنام في أكواخ من الكرتون.وذلك بسبب انهيار وول ستريت شارع المال والبورصة في 24 التمور ( أكتوبر ) ، ونتج عن ذلك الانهيار أفلاس عشرات المصارف ( البنوك) ، ونتائج الخميس الأسود لم تكن منحصرة فقط في الولايات المتحدة إنما أمتدات إلى جميع الأسواق المالية العالمية فأنهار النظام الاقتصادي العالمي. ولم يعد الوضع الاقتصادي للازدهار في الولايات المتحدة وبقية دول العالم إلا بعد الحرب العالمية الثانية.
وحال الاقتصاد العالمي اليوم يشبه إلى حد كبير مع ما حدث قبل تسعة وسبعون عاما، بل أن ثلة من خبراء علم الاقتصاد قالوا أن الأزمة الحالية أشد خطورة من الكساد الكبير على دول العالم. ولذلك استنفر العالم على كافة المستويات والاتجاهات من أجل التخفيف من حدة أثار هذه الأزمة، فجل دول العالم وضعت مجموعة من الخطط لكي تتجنب حدوث انهيار في النظام المصرفي وأسواق المال ، وذلك من خلال ضخ مئات المليارات من الدولارات من احتياطياتها، وكذلك من خلال عقد الاجتماعات على أعلى المستويات وعقدت لقاءات التشاورية والتنسيقية، فالكل أبدى قلقة من مخاطر هذه الأزمة وتداعياتها. وهذا أمر طبيعي في مثل هذا الوضع وخاصة في ظل نظام العولمة وتشابك الاقتصاديات الدولية.
لكن الموقف الذي استوقفني وأثار دهشتي وأنا أتابع القنوات الفضائية التي كانت تنقل أخر تطورات هذه الأزمة العالمية هو تصاريح المسئولين في الدول العربية. حيث أكد جميعهم بأن بلدانهم في منأى عن هذه الأزمة الاقتصادية وتداعياتها بخلاف دول العالم الأخرى.وبناء على تلك التصريحات وصلت إلي نتيجة مفادها أن حقيقة وضعية الاقتصاديات العربية لا تخرج عن أمرين لا ثالث لهما ، أما إننا نعيش خارج هذا العالم المتشابك في كل شي. أو أنهم لا يقولون الصدق وأنا أرجح الثانية على الأولى وذلك إلى جملة من الأسباب ، بكل تأكيد نحن لا نعيش خارج هذا العالم فدولنا تأثرت بكل الأحداث العالمية السياسية التي شهدها العالم مثل انهيار النظام العالمي الذي كان قائما من 1945 م إلى 1991 م، واقتصاديا تأثرت الدول العربية بكل تقلبات الاقتصاد الدولي إيجابا وسلبا، وتقنيا فكل ما يصنع في أوربا أو طوكيو أو بكين أو الولايات المتحدة في صباح اليوم التالي تجده في متناول المستهلكين العرب. وبذلك تسقط فرضية أننا نعيش في معزل عن العالم وهذه الأزمة الاقتصادية.
وبذلك ترجح كفة الفرضية التي تقول بعدم صدق المسئولين العرب عند تحدثهم عن الآثار المتوقعة لهذه الأزمة على اقتصاد بلدانهم وذلك للاتي:-
- السيكولوجية العربية:- إن الدول العربية تتعامل مع مواطنيها بنفس عقلية الأب العربي لابناءه القصر فالمال مال الوالد ولا حق لهم معرفة مصدرة وحجمه وأين يضعه فهو ينفق حسب ما يرى هو مناسب للأسرة .ونستطيع القول أنها دول أبوية.
- غياب الشفافية:- الدول العربية لا تعلن عن حجم استثماراتها بشكل دقيق وأماكن تلك الاستثمارات وبالتالي لا يستطيع احد يعرف حقيقة هذه الاستثمارات وأماكنها. لو كانت هناك شفافية حتى عن المؤسسات التي توجد فيها استثمارات الدول العربية لكان اتضح لنا صحة ادعاءات المسئولين العرب بعدم تأثير الأزمة الحالية على الدول العربية.
- حجم الاستثمارات العربية الخارجية:- أن التقارير و النشرات الاقتصادية تؤكد دائما إن الأموال العربية في الخارج تبلغ مئات المليارات من الدولارات وجل هذه الأموال هي في المصارف ( البنوك ) الأمريكية والأوروبية. وهذه المصارف (البنوك ) و هي في قلب الأزمة الاقتصادية العالمية.
- العولمة:- إن ثورة المعلومات والاتصالات حولت العالم إلى نجع وليس قرية عالمية كما يطلق عليه البعض فصعود الدولار سنتا واحدا يتأثر به العامل في بومباي سلبا أو إيجابا و أسعار النفط ارتفاعا أو هبوطا تؤثر على من يهش غنمه في صحراء نجد. فلا احد يصدق إن الاقتصاد العربي الهش أصلا لا يتأثر بأزمة بمثل هذا الحجم. إن زمن الاستفراد بالمعلومة وإمكانية حجبها ولى فالحكومات العربية غير قادرة على منع وصول المعلومات إلى شعوبها لأنها ببساطة لم تعد هي المصدر الوحيد في إعلام الناس وإخبارهم بما يجري فكل مواطن يستطيع الحصول على اغلب المعلومات في دقائق من خلال شبكة المعلومات الدولية ( الانترنت )
- أزمة النظم العربية الرسمية:- هناك شبه إجماع على إن اغلب النظم العربية تعاني من أزمات داخلية. وهي تريد من خلال هذه التصاريح التخفيف من حدة هذه الأزمات وحالة الاحتقان الداخلي.
وختاما أتمنى إن تتخلص الحكومات العربية من ثقافة عدم الصدق عند تعاطيها في الأمور المصيرية ولابد إن تعي إن المواطن العربي في كثير من الأحيان يمتلك الراصنة والحكمة التي تفوق من هم في المناصب الأعلى، كما أتمنى عليهم أيضا عندما يريدون إصدار تصاريح أو مواقف في إي قضية ويريدون إخفاء الحقيقة أو حتى جزء من الحقيقة يكونوا متأكدين إن دول العالم الأخرى لا تمتلك معلومات عن تلك القضية لان تلك الدول سوف تقول الحقيقة إلى شعوبها،وبالتالي سوف تصل الحقيقة إلى الشعوب العربية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق