الخميس، 22 يناير 2009

ليبيا في حالة حرب.. ومؤسسات الدولة في حالة صمت .. فرج ابراهيم






أفادتنا بعض التقارير الإخبارية والإحصائيات الصادرة عن الإدارة العامة للمرور والترخيص باللجنة الشعبية العامة للأمن العام بإعداد الحوادث المرورية التي تقع على الطرقات، حيث أفادنا تقرير على موقع( الجزيرة نت ) أن ليبيا تحتل الترتيب الثاني بعد سلطنة عٌمان في عدد الحوادث وذلك حسب آخر إحصائية صادرة عن المنظمة العالمية للصحة، و أن ليبيا شهدت خلال الفترة الممتدة من 2003 إلى 2007 وفاة(9330) شخصا وتضررت (77507 ) سيارة وقدرت الخسائر المادية بـ 81 مليون دولار أمريكي.

كما أن تقرير إذاعي بث على قناة الجماهيرية المرئية بتاريخ 5-5 -2008 من ميلاد المسيح. أفاد انه في الأشهر الثلاثة الأولى من العام الجاري توفي(536) شخص بسبب الحوادث المرورية وبلغ عدد المصابين في هذه الحوادث (1656) شخص، والخسائر المادية بــ ( 58707) دينار ليبي والمركبات المتضررة ( 4321 ) والسيارات المحجوزة (9607 )
كما قدم التقرير أرقام عن عدد الوفيات بسبب حوادث المرور للسنوات الثلاثة الماضية وجاءت الأرقام كبيرة جدا ففي عام 2005 عدد المتوفين بحوادث السير ( 1800 ) شخص وفي سنة التالية ( 1866 ) وفي العام الماضي ( 2138 ). وعدد الوفيات بسبب حوادث مرورية خلال 13 سنة الأخيرة بلغ حوالي 20 ألف شخص وعدد حالات الإعاقة في ذات الفترة حوالي 8 آلاف حالة.

هذه الأرقام والإحصائيات هي لا تدق ناقوس الخطر، بل هي الخطر في حد ذاته فهي تعني إن موارد المجتمع البشرية والمادية في حالة تدمير بشكل يومي وان المجتمع في حالة حرب حقيقة ونستطيع أن نطلق عليها تسمية ((حرب الطرقات)). ومن خلال الملاحظة والمتابعة رصدنا جملة من العوامل التي ساهمت بشكل مباشر أو غير مباشر في اشتعال نار هذه الحرب، وكما نطرح مجموعة من الحلول من أجل إيقافها

أولا: العوامل التي ساهمت في تصاعد حرب الطرقات

1- التهور والسرعة الزائدة: هناك تهور كبير أثناء قيادة المركبات الخاصة ومركبات النقل العام وعدم التقييد بقواعد المرور ويبرز أيضا هذا الجانب لدى بعض أولياء الأمور المقتدرين والذين يقومون بتسليم سيارات والتي غالبا ما يكون ثمنها مدفوع من ميزانية المجتمع إلى أبنائهم الذين لم يبلغوا السن القانونية وغالبا ما سبب هولاء في حدوث كوارث على الطرقات. إما فيما يخص السرعة فهي تكاد أن تكون سلوك عام داخل المجتمع الليبي وساهمت في وقوع أغلب الحوادث المرورية .
2- المحسوبية: تلعب الوساطة والمحا به في كثير من الأحيان دور بارز في عدم معاقبة المخالفين للقانون على الطرقات، مما يؤدي إلى زيادة الاستهتار بقانون المرور. وهذا يزيد من ضحايا هذه الحرب
3- غياب الوعي لدى المواطنين: ساهم تدني مستوي الوعي العام في وقوع الكثير من الحوادث والأخطاء والتجاوزات التي تحدث داخل المجتمع فعدم احترام القانون والتقييد بقواعد السير على الطرقات ونبذ المخالفين وعدم الحرص على سلامة الآخرين هذه التصرفات تكاد أن تكون سمة من سمات المجتمع الليبي. ونلاحظ أن البعض يصر على اختراق القانون اعتقادا منه أن ذلك يبرهن على نفوذه داخل المجتمع في الوقت الذي نجد المتنفذين في المجتمعات المتقدمة يتفاخرون بتقييدهم بتطبيق نصوص القانون.
4- البنية التحتية الرديئة: أن تردي حالة الطرق بشكل عام والطريق السريع الذي يربط بين مدن الليبية المتباعدة بشكل خاص، وغياب الإشارات الإرشادية و الإشارات تنظيمية ساهم بشكل كبير في ارتفاع الحوادث المرورية
5- التخلف الاجتماعي: ساهم هذا الجانب بدرجة ما في استمرار هذه الحرب لان كثير من الأخطاء والمخالفات يتم تجاوزها أو السكوت عنها بسبب العلاقات الاجتماعية فالكثير من المخالفين لم ينالوا العقاب الذي يستحقوه بسبب العلاقات الاجتماعية.
6- ضعف الحق العام: في الكثير من القضايا المرورية يتم تغليب الحق الشخصي على الحق العام وبمجرد إسقاط الحق الشخصي من طرف الشخص الذي وقع عليه الضرر أو ذويه تغلق القضية وفي بعض الأحيان تكون الأضرار بالحق العام ناجمة عن الحادث تساوي أو تفوق الحق الشخصي
7- القصور أو النقص في التشريع: من خلال التجارب والوقائع ثبت أن التشريع لم يتصدى إلى كافة الجوانب التي تساهم في اشتعال هذه الحرب

ثانيا كيف نكسب هذه الحرب ؟

هناك جملة من الخطوات الضرورية والملحة من أجل أن نربح هذه الحرب المستعرة والتي بكل تأكيد ساهمت بشكل رئيسي في فقدننا الكثير من الموارد البشرية والمادية التي ما أحوجنا إليها في مسيرة البناء والتقدم وهذه الخطوات تتمثل في الأتي:

1- تفعيل الرقابة المرورية: أ - ويتم ذلك من خلال زيادة الدوريات المرورية داخل المدن وعلى الطرقات السريعة. وأيضا استخدام التقنية الحديثة في مراقبة الطرقات الداخلية والسريعة فالكثير من دول العالم تضع آلات تصوير من أجل مراقبة حركة المرور وتسجيل المخالفين لي قواعد السير على الطرقات.

ب - لابد من استبدال نظام منح رخص القيادة بنظام جديد يكون أكثر دقة لمواجهة عمليات التزوير واستبدال الرخص القديمة برخص ممغنطة تحمل معلومات وافية عن حاملها.

ج – بما أن القانون يشدد على ملكية المركبة الآلية عند القيادة. ولكن للأسف لا يوجد الالتزام بهذا الموضوع من قبل المواطنين نقترح هنا إن يمنح كل حامل رخصة قيادة لوحة واحدة فقط يتم حصوله عليها بمجرد حصوله على رخصة القيادة ويدرج رقمها في بيانات الرخصة حتى نقلل من عمليات عدم نقل الملكية التي كثيرا ما سببت مشاكل للجهات المسئولة.


2- تطبيق القانون بكل حزم وصرامة: يجب على الجهات المسئولة العمل على تطبيق القانون بكل حزم من أجل ردع المخالفين. وأي حالة تساهل في تطبيق نصوص القانون لابد أن تدرج تحت طائلة قضايا المساس بالأمن الوطني.


3- رفع مستوى الوعي: لابد من العمل على زيادة مستوى الوعي العام بمخاطر عدم التقييد بالقانون والآثار السلبية التي تنجم عن هذه الممارسات. وذلك من خلال حملات التوعية والملصقات، فلابد من وضع ملصقات ولوحات ولافتات تبين مآسي هذه الحرب ولاحظت في بعض الدول التي تعاني من وضع مماثل أنها تقوم بوضع المركبات تالفة بسبب الحوادث على جانب الطريق مع شعارات تدعوا إلى الالتزام بقواعد السير من أجل الموعظة. وعلى الوسائل الإعلامية أن تقوم بدور اكبر في هذا الخصوص. كما أن المؤسسات الرياضية والتي معظم منتسبيها من شريحة الشباب والذين هم في الغالب ضحايا هذه الحرب يقع عليها واجب وطني من أجل وقف هذا النزيف المتصاعد في طاقات المجتمع فلابد أن تقوم المؤسسات الرياضية بحملة توعية تركز من خلالها على مخاطر عدم التقييد بالقانون أثناء القيادة ، كما أتمنى عليها أن ترفع شعار (لا...للسرعة). في البطولات الرياضية التي تتنافس عليها . وأيضا لابد من رفع مستوى الوعي لدى رجال المرور من خلال الدورات التدريبية المتقدمة والهادفة حتى يتسنى لهم القيام بواجباتهم على أكمل وجه.


4- الصيانة الفورية للطرق: ضرورة الإسراع في صيانة الطرق السريعة والداخلية لان الوضعية الحالية للطرق ساهم بشكل كبير في وقوع الكثير من المآسي و لابد من أنجاز ازدواج الطريق السريع بأسرع وقت ممكن ، ووجب الإشارة هنا أن الطريق الساحلي الحالي لا تنطبق عليها الشروط والمواصفات التي يجب توفرها في الطريق السريع بسبب زحف المدن عليها وكذلك غياب الحماية التي يجب أن تتوفر لها عند مرورها ببعض المدن.ولابد من توفير مراكز خدمية متكاملة على امتداد الطريق السريع.


5- العلامات المرورية والإرشادية: هناك نقص واضح في العلامات المرورية على الطرقات المختلفة وهذا النقص ساهم في وقوع الكثير من الحوادث. ومن هنا تحتم الضرورة الاهتمام بالإشارات المرورية الأرضية وغير الأرضية، كما انه من الواجب توفر العلامات الإرشادية التي تساعد السائق على تحديد اتجاهات الأماكن وشوارع والمخارج والمداخل والمنعطفات والمنحدرات...الخ


6- تقوية الحق العام: أن القضايا التي تنجم عن الحوادث والتي غالبا ما يكون سبب وقوعها التهور وعدم الالتزام بقواعد السير تكون ذو شقين شخصي وعام ومن خلال التجربة فإن أغلب هذه القضايا أغلقت بمجرد إسقاط أو تسوية الحقوق الشخصية. رغم انه في كثير من الأحيان يكون الضرر الواقع على المجتمع بسبب هذه الحوادث أكثر من الضرر الواقع على الأشخاص. كما إن الأفراد يتعرضون للضغوط الاجتماعية من أجل التنازل عن حقوقهم. ومن هنا وجب التشدد قانونا بضرورة أخذ الحق العام من الأشخاص أو الجهات التي تسبب بشكل مباشر أو غير مباشر في استمرار هذه الحرب. على المشرع إن يضع النصوص القانونية التي تعمل على إنهاء أو التقليل من التصرفات الغير المسئولة من خلال وضع نصوص قانونية صارمة تكفل أقامة العقوبة على من لا يحترم القانون وذلك من خلال تقوية حق المجتمع في القصاص بحيث تكون العقوبة واقعة بغض النظر عن الاتفاقات التي تحدث في الحق الشخصي.

وختاما فإن كل مكونات المجتمع الليبي الرسمية والأهلية والاجتماعية ( القبائل ) تقع عليها مسئولية وطنية ودينية وأخلاقية وقانونية في التصدي لهذه الحرب المدمرة التي تكلف المجتمع كل صباح ومساء الكثير من الطاقات. ومن هنا لابد أن يدرج هذا الموضوع في جدول إعمال المؤتمرات الشعبية الأساسية في أجتماعها القادم، وعلى المؤسسات البحثية والإعلامية أن تعمل على تسليط ضوء على هذه القضية، ولابد أن تعمل على تشجيع الدراسات العلمية التي تعمل على إيجاد الحلول العلمية والعملية للتصدي لهذه الحرب المستعرة، كما أن المؤسسات الأهلية على غرار مؤسسة القذافي للأعمال الخيرية وجمعية واعتصموا وغيرهما من المؤسسات الأهلية الأخرى مطالبة بالتصدي لهذه الحرب. كما أن مكونات المجتمع الاجتماعية من خلال روابطها الاجتماعية المنتشرة في جميع المناطق تقع عليها أيضا مسئولية كبيرة في هذا الموضوع وخاصة أن المجتمع الليبي مجتمع مترابط اجتماعيا ويراعي إفراده بشكل كبير الضوابط والأعراف الاجتماعية. والمسئولية أولا وأخيرا تقع على مؤسسات الدولة الرسمية في التصدي لهذه الحرب.


وأخيرا نقول كما قال الإمام الشافعي: إن رأينا صوابا يحتمل الخطاء ورأي غيرنا خطاء يحتمل الصواب. ومن جاءنا بأفضل من رأينا أخذنا به.



ليست هناك تعليقات: