الخميس، 22 يناير 2009

من حفلة الشاي إلى باراك أوباما .. بقلم / فرج ابراهيم




كان من النتائج الهامة التي ترتبت على حركة
الكشوف الجغرافية التي قادها الرحالة الإيطالي كريستوف كولومبس ( 1451 - 1506م) ، تدفُّق الهجرة من أوروبا إلى الأراضي المكتشفة ، وقام المهاجرون الإنجليز بتأسيس المستعمرات على الساحل الشرقي لأمريكا الشمالية . وقد تأسست أول مستعمرة إنجليزية في عام 1607 في جيمس تاون بولاية فرجينيا مما أعطاهم موطئ قدم وأسبقية على بقية الهجرات الأوروبية التي تدفقت بعد ذلك من كافة أنحاء أوروبا بحثا عن حياة معيشية أفضل حيث فرض الإنجليز عاداتهم وثقافتهم ونمط حياتهم على كل المهاجرين الذين تواصلوا معهم، كما أنهم لم يقطعوا صلاتهم ببلدهم الأم بريطانيا مع تميز بخصوصية تمثلت في هامش الحرية ا ل ممنوح في أمريكا عن بريطانيا في ذلك الوقت. غير أن حالة الانسجام بين الأبناء والأباء لم تدم طويلا وخاصة بعد إن أصدرت بريطانيا ما عرف بقانون الملاحة ( التجارة ) عام 1651 م الذي ألزم المستعمرين الإنجليز في أمريكا بضرورة تصدير إنتاجهم إلي بريطانيا بواسطة سفن إنجليزية ويصار بعد ذلك تصديرها إلى أوروبا كما ألزم القانون الجديد المستعمرات الجديدة بتزويد البلد الأم بالمواد الخام و أن لا تنافسها مستعمراتها في الصناعة، وايضآ منح المنتوجات الإنجليزية الأفضلية داخل السوق الامريكي ، ولجأت بريطانيا إلى فرض ضرائب إضافية على المستعمرات الجديدة لسد العجز في موازنتها بسبب ما عرف بحرب السنوات السبع مع فرنسا. غير أن هذه الإجراءات لم تلقى قبولآ لدى سكان العالم الجديد فسادت حالة من التذمر وتصاعدت الأصوات التي تطالب بوقف هذه الإجراءات ورفعت المجالس التشريعية شعار (( لا ضرائب بدون تمثيل )) وتحت وطئت هذه الاحتجاجات رضخت الحكومة البريطانية فألغت جميع الضرائب الجديدة عدا الضريبة المفروضة على الشاي،فقامت مجموعة من الشخصيات الرافضة لهذا الإجراء في بوسطن حفلة أصبحت تعرف فيما بعد بحفلة الشاي وقاموا خلالها بالصعود إلى البواخر الإنجليزية التي كانت محملة بالشاي وقاموا بإلقاء حوالي 342 حاوية شاي إلى ميناء بوسطن وأثار هذا العمل حفيظة بريطانيا التي ردت بإجراءات عقابية تمثلت في حصار بوسطن بحريا فكانت هذه الشرارة التي أطلقت الثورة الأمريكية ضد الإنجليز وأعلنت بريطانيا التعبئة العامة لمواجهة التمرد في المقابل أعلن الثوار تعيين جورج واشنطن قائدآ للقوات الأمريكية وعلى ضوء ذلك تصاعدت الإحداث بين الطرفين فأعلن الكونغرس الأمريكي استقلال المستعمرات الجديدة عن البلد الأم وكان ذلك في 4 من شهر ناصر (يوليو ) من عام 1776 م. غير أن المعارك بين الطرفين استمرت حتى عام 1783 م حيث أقرت بريطانيا في ذلك العام باستقلال الولايات المتحدة الأمريكية وتنازلت عن كل الأراضي الواقعة شرق الميسيسبي وبذلك دخلت المستعمرات الجديدة مرحلة جديدة بعد استقلالها حيث أصبحت تنمو بسرعة كبيرة على جميع الأصعدة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والعسكرية جاذبه إليها كل أنظار العالم والطامحين في حياة أفضل على جميع المستويات وأصبح النسيج الاجتماعي للمجتمع الجديد يتشكل من مجموعات ذات أصول عرقية وأديان ومذاهب دينية مختلفة وانتجت هذه الحالة قيم جديدة وقوة ضخمة أصبحت تتصدر دول العالم في كل المجالات. وعلى امتداد أكثر من 200 سنة مرت هذه الدولة بمراحل سياسية مختلفة من طور التكوين والتشكل الى مرحلة الاستقلال بقيادة جورج واشنطن وتوماس جيفرسون، ثم سياسة الانعزال أو الانغلاق ورفض التدخل الأوروبي في الشأن الأمريكي والذي عرف بمبدأ مونرو نسبة إلي الرئيس الأمريكي الخامس جيمس مونرو ونستطيع القول إن هذه الفترة استمرت إلي إن تولى الرئيس توماس وودرو ويلسون دفة الأمور في الولايات المتحدة عام 1913 م حيث ساهم في انتصار الحلفاء في الحرب العالمية الأولى وساهم من خلال النقاط الأربعة عشر للسلام في تأسيس عصبة الأمم، منذ ذلك التاريخ أصبحت الولايات المتحدة الأمريكية اللاعب الأبرز على المسرح الدولي في صياغة العلاقات الدولية فأساهمت بشكل رئيسي في تأسيس الأمم المتحدة بعد انتصارها مع حلفائها في الحرب العالمية الثانية وقادت حلف الناتو خلال فترة الحرب الباردة ضد الكتلة الشرقية حتى انتهت الأمور بانهيار حلف وارسوا وتفكك الاتحاد السوفيتي في 21 ديسمبر 1991 م. فمنذ ذاك التاريخ إلي يومنا هذا أصبحت الولايات المتحدة الدولة الأقوى في صنع القرار الدولي و أصبحت تتدخل في جميع النزاعات والإحداث الدولية على مختلف جزئياتها وتفاصيلها تارة متسلحة بالشرعية الدولية كما حدث في البلقان والصومال ولبنان وتارة أخرى متسلحة بقوتها العسكرية كماحدث في عدوانهاعلى العراق عام 2003 م ، و خلال هذه المراحل التاريخية المختلفة تناوب على الرئاسة الأ مريكية 43 رئيسا معظمهم من الحزبان الديمقراطي(1792م) والجمهوري(1860م) و كلهم ينحدرون من جذور أوروبية وجلّهم يعتنقون المذهب البروتستانتي أو أن الكنائس التي يعتقونها مرجعيتها الفكرية الطائفة البروتستانتية مثل الكنيسة الأنجليكانية التي كان الرئيس جميس مونرو من إتباعها، و الاستثناء الوحيد أن لم تخن الذاكرة كان الرئيس جون كينيدي الذي ينتمي إلي الطائفة الكاثوليكية وهذا التقليد مستقر في رئاسة الأمريكية إلي بداية الحملة الانتخابية للرئاسة الأمريكية القادمة ولم يخرج الحزب الجمهوري الحاكم عن التقليد المتعارف علية حيث فازجون ماكين بترشيح الحزب. لكن المفاجأة جاءت في فوز الأسمر باراك حس ي ن أوباما ذو الأصول الأفريقية وأيضا الا سلامية ( حسين أوباما مواطن كيني مسلم ) بترشيح الحزب الديمقراطي. و حتى لو لم يصل إلى البيت الأبيض فإن مجرد حصوله على ثقة الديمقراطيين ليكون مرشحهم في الانتخابات الرئاسية حدث تاريخي يحتاج التوقف عنده كثيرا وهذا يؤشر إلي عدة أشياء هي طور التغيير داخل الساحة الأمريكية:1- مزاج جمهور الناخبين في أمريكا 2 – التأثير والسيطرة علي الهالة الإعلامية الضخمة داخل الولايات المتحدة الامريكية التي كانت ولا زالت تعمل دور كبير في تشكيل رأي جمهور الناخبين الأمريكان 3- وضع تركيبة جماعات الضغط والطبقة السياسية الأمريكية 4- التغير الديمغرافي وتأثيره في المستقبل القريب والبعيد على الولايات المتحدة وخاصة ان الدراسات الاخيرة تفيد إن الهسبنكس ( Hispanics ) سوف يشكلون النسبة الأعلى خلال السنوات القربية القادمة.

أن الزلزال ألاوبامي سوف يغير الكثير في أمريكيا خلال السنوات القريبة المنظورة داخليا وخارجيا وسوف يدفع الكثير من أبناء الاثنيات العرقية الأخرى التي يتشكل منها المجتمع الأمريكي في التفكير في البيت الأبيض ولا نستبعد أن تجرى الانتخابات الرئاسية عام 2012 أو التي تليها بين أبناء الاقليات الاثنية الاخرى المكونة للمجتمع الامريكي . وختاما سوف يسجل التاريخ لاوباما انه هو من فتح أبواب البيت الأبيض أمام أبناء الاثنيات العرقية كما سجل لجورج واشطن فضل استقلال الولايات المتحدة وللرئيس جيمس ماديسون وضع الدستور الامريكي وايضا سجل للقس مارتن لوثر كنج استرجاع شي من حقوق الزنوج داخل المجتمع الامريكي .

ليست هناك تعليقات: